الذين يتحدثون عن المرأة ووظيفتها يعرضون الأمر على أن المرأة والرجل خصمان؛ كل منهما يتربص بالآخر غفلة لينقض عليه ويسلبه جزءاً من حقوقه والحق أن الرجل والمرأة متكاملان، فلا يمكن أن تستغني المرأة عن الرجل ولا يمكن للرجل أن يستغني عن المرأة، ولولا النساء لانتهى المجتمع، ولولا الرجال لانتهى أيضاً المجتمع، ولن تبقى الحياة ولن تستمر إلا باجتماعهما.
ثم إن وجودهما مختلفين لا يعني عيباً أو نقصاً في أحدهما، أو انحيازاً لأحدهما على حساب الآخر ولذلك مثال:
النهار لو جعله الله سرمداً إلى يوم القيامة لما صلحت الحياة، ولو جعل الله سبحانه وتعالى الليل سرمداً إلى يوم القيامة لما صلحت الحياة، ولكن حينما يوجد الليل والنهار ينتظم أمر الناس وتقوم الحياة، ويصبح الليل للراحة والنهار للعمل، يقول تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}.
وهنا أطرح هذه التساؤلات:
1. هل يعيب الليل أنه أسود، وهل يعيب النهار أن شمسه حارة؟ وهل يعد ظلما لليل عندما كان أسود في مقابلة ضوء النهار أم هل تعد حرارة الشمس في النهار ظلماً في مقابلة نسيم الليل؟
2. لو أردنا أن نسري بين الليل والنهار أو نقلب الوظيفة هل يستقيم الأمر: أم نجد العنت والمشقة النهار للعمل والليل للسكن تماماً كالرجل والمرأة، الرجل للعمل والمرأة للسكن {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
إننا نأخذ هذين الأمرين على أنهما ضدان وهما في الواقع متعاونان متكاملان لا يستقيم أحدهما بدون الآخر ولكل منهما وظيفة لا يمكن قيام المجتمع بدونها يقول تعالى {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى}.
وإذا قررنا مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة دون أن ننتقل بعد ذلك خطوة أخرى نحو ارتباط الوظيفة بالتركيب الجسمي، فالرجال منهم من يصلح للرياضة ومنهم من لا يصلح لها. ومنهم من يصلح للأعمال الدقيقة جداً كإصلاح الساعات مثلا ومنهم من لا يصلح، ومع ذلك لا يعيب هذا ولا ذاك، فكل ميسر لما خلق الله وكل يحسن أموراً لا يحسنها الآخر وذلك لضرورة تكامل المجتمع وقيامه بوظائفه والمرأة جزء من هذا المجتمع خلقت لأداء وظيفة تناسب تركيبها الجسمي وكما لا يعيب الرجل عدم معرفته بعمل معين فكذلك لا يعيب المرأة أن تكون مبرزة في عمل يناسبها وعدم ملاءمتها لعمل آخر.
يقول الكسيس كاويل في كتابه ((الإنسان ذلك المجهول)) وهو يتحدث عن الفروق بين الرجل والمرأة ((ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً واحداً وأن يمنحا قوى واحدة ومسؤوليات متشابهة، والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها)) إلى أن قال: ((فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة)).
وقرأت مقالاً في جريدة الشرق الأوسط في 15/ 4/ 1410 هـ عدد 145031 لفوزية سلامة بعنوان ((يحيا العدل يحيا الفرق)) تقول عن الفرق بين الذكر والأنثى ((إن الفرق بين الذكر والأنثى يبدأ قبل أن يخرج الجنين إلى الحياة)) وختمت مقالها بقولها ((إن الإصرار على إلغاء الفروق بين الجنسين قد أدى إلى مزيد من الانفصال بينهما، فقد أصبح لزاماً على المرأة أن تتكيف مع متطلبات الانتماء إلى عالم الجنس الواحد ((اليونيسكس)) أي أنها مطالبة بدخول الملعب من أبواب المؤسسة الذكرية والنتيجة الحتمية هي الحرمان والغضب والقلق)) ثم قالت ((قد أختم هذا الجزء من مذكراتي الشخصية بعبارتين يحيا الفرق يحيا العدل))
وإذا عرفنا أن الفرق لا يعني النقص نعود إلى عمل المرأة الذي أسند إليها ما هو؟ وما هو العمل الذي أسند إلى الرجل؟ الرجل يتعامل في الحياة إن كان مزارعاً فمع الأرض يزرعها ومع الحيوانات يربيها ويبيعها مثلاً، وإن كان نجاراً فمع الأخشاب وإن كان حداداً فمع الحديد، وإن كان تاجراً فهو وسيط يتعامل مع مواد تجارته بين المنتج والمستهلك عموماً في غالب أحواله نجده يتعامل مع الأشياء.
أما المرأة في منزلها فهي تتعامل مع ما هو أسمى من ذلك وأرفع، أنها تتعامل مع الإنسان، إما زوجا يسكن إليها أو وليداً تقوم عليه بالتربية وتخرجه للحياة ناشئاً صالحاً فالمرأة مهمتها التعامل مع أشرف أجناس الكون وهو الإنسان، والذي أوكل لها هذه المهمة شرفها بذلك وهل هناك في الوجود أشرف من تخريج هذه الأجيال كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت جيلاً طيب الأعراق
وهي تقوم بهذه الأعمال تاركة للرجل السعي يومه مع تلك الأشياء التي يكتسب منها قوت يومه لها وله ولأولادهما والذين أرادوا أن يخرجوا المرأة من وظيفتها تلك هل أحسنوا إليها؟ إنهم أولاً أنزلوها من منزلتها الرفيعة فاستبدلت بأبنائها وبناتها دخان المصانع وغبار الطرق وزحام المكاتب وخشونة المواد وعناء المتاجر، ومع ذلك لم يكن في ذلك تخفيف للمرأة من وظيفتها الأصلية، فلم يتمكن هؤلاء من إضافة شيء من أعمال المرأة على الرجل فلا تزال المرأة تقوم بوظائفها، وكل ما فعلته أن استعانت بامرأة أخرى تقوم ببعض أعمالها في المنزل إذا هي خرجت إلى ميدان الرجال. وهل يرفع الظلم بظلم؟ فما دامت المرأة ترى أن تربية الأولاد ظلم لها ونقص من حقها فكيف تحضر امرأة لتربية أبنائها، أليس هذا ظلما منها لتلك المرأة؟ وكيف تطالب بعدل لا تقيمه مع بنات جنسها؟
لذلك يمكننا أن نقول:
أولاً: إن الإسلام كرم المرأة وخصها بالوظيفة الملائمة لها.
ثانياً: إن تلك الوظيفة التي اختارها الإسلام للمرأة هي أسمى الوظيفتين المسندة إلى الجنسين الذكر والأنثى.
لكن قد يقول قائل إن بقاء المرأة في المنزل لتربية الأولاد وتفريغها لهذا العمل واعتمادها على الغير امتهان لها. وأقول حول هذا :
إن الدول المتقدمة فرغت العلماء والخبراء وأفنت لهم أسباب المعيشة وأغنتهم عن الاكتساب لكي يتجهوا نحو العطاء العلمي النافع لبلدانهم.
والجامعات تفرغ كبار أعضاء هيئة التدريس فيها لإعداد البحوث العلمية المهمة وتؤمن لهم رواتبهم بل وتدفع لهم تذاكر السفر وتهيئ لهم وسائل الراحة ليتمكنوا من تقديم البحوث المطلوبة منهم، ولا يعد هذا إلا تكريماً من الدول لعلمائها ومن الجامعات لأساتذتها وهو كذلك من المجتمع عندما يفرغ المرأة في منزلها للقيام على الجيل القادم بالتربية والرعاية والتنشئة مع كفالة الرجل لها بالاكتساب وإغنائها عن البحث عن مصدر الرزق فتفريغها تكريم لها وإدراك لقيمتها ووظيفتها المتميزة التي أسندت إليها.
والله الموفق،،،،،