صفحات معكوسة
أستيقظ مبكرا كعادتي .اعتدت أن أفتح عيني علي الجرائد , أتصفحها علي عجالة فقط لأتأكد أن كل شئ ليس علي ما يرام و أن شيئا جيدا لم يحدث في هذا العالم . هذا العالم لن يتغير , أدركت هذا بعد الكثير من التجارب.. علي كل حال ليس هذا وقت الفلسفة.. هذا وقت الافطار.. آسف.. اعني ان هذا هو المفترض , فأمي لها رأي آخر... لها عاداتها هي الأخري , و ها هي ذي تمارس عادتها اليومية في جعل حياتي جحيما ... مهلا ! أنا لا أتحامل عليها .. ربما هو سوء الفهم المتبادل , أو تصادم الحريات , أو ...كف عن هذا الهراء .. أقولها لنفسي .
لن أسرد كل التفاصيل منعا للملل . أنا الآن علي السلم , تمهيدا للخروج من البناية كلها كان ذلك عندما اصطدمت بي .. من ؟....جارتنا الهوجاء التي كانت تنطلق للأعلي كالصاروخ.. لابد أنها نسيت شيئا ما .. دائما هي تنسي شيئا ما ... دقيقة هي في نسيابها .. ٌُُُإذن فلقد صدمتني هذه المرة أيضا ! ماذا كنت أقول عن تصادم الحريات؟!.. ليس لي أعتراض علي الغباء بشكل عام , أما أن يتسبب في خلع كتفي ... فهذا لا يطاق .
عفوا! قلت أنني لن أسرد كل التفاصيل ؟ حسنا.. لقد كنت أكذب بهذا الشأن .
لا داعي للحديث عن القمامة و لا ال.... لا داع لمَ؟ هناك داع و نصف .. في شارعنا المبارك تمرح أكوام القمامة بطول الشارع و عرضه . ليس من المفيد للصحة أن يفوتك منظر كهذا كل صباح ...أعتقد أنني لو استيقظت يوما و وجدت شارعنا نظيفا لاتجهت مباشرة إلي الطبيب لأني سأعرف ساعتها أنني أهذي .
ما زالت امامي معركة للذهاب إلي الكلية ... مرحي ! لقد حظيت بمقعد في سيارة أجرة متهالكة ... لا داع لوصف الحال حتي لا يحرق حنقي هذه الورقة البائسة . أنا الآن هناك في الحرم " الجامعي" .. لا تكف أذني عن التقاط الأحاديث .. إن كلمة جادة واحدة لم تضل طريقها أبدا لتصل إلي أذني .
لا بأس .. أتجه مباشرة إلي مجموعة العملي -أفوت المحاضرات حتي لآ اصاب بالفالج - و هناك أضطر أن أفعل الشئ الذي أمقته .. الإنتظار .. إذ لابد أن يتأخر -البيه - كالعادة و لا يعلم إلا الله متي يأتي , في هذه الأثناء تواصل أذني آداء المهمة التي خلقت من أجلها .... التقاط الأصوات و ترجمتها .. ليتها تأخذ اجازة كي أستريح من كل هذا الرياء و الكذب و التصنع و ال..- المظهرة
لا أخرج من كل هذا إلا بتأكيد عل يفكرتي العتيدة " ليست الحياة إلا محاولة مستمرة و دائبة لقول أنا أفضل منك "
لا يهم ما قيل و ما شُرح ... الصراخ و الصخب و الصداع .. معارك العودة و مهالك الطريق ... كل هذا لا يهم .. المهم هو البيت الذي عدت إليه سالما , و الطعام الذي تدعي أمك أنه كذلك ... الطعام الذي ستأكل أصابعك ليس ورائه بل بدلا منه إذ ستكون ألذ .
ألتهمه مضطرا في النهاية إ ذ لا بديل , و أنا أستمع إلي مراسل قناة ال..... و هو يقول " ليس هذا مشهدا من فيلم رعب ردئ الصنعة .. بل مشهدا حقيقيا من قلب العالم .... لأناس يعيشون خارج حدود ضميره .. بمنأي عن دساتيره و أعرافه و مجلس أمنه " انتهي كلام المراسل و راحت الصور تتوالي... هي ذات المشاهد التي يغطيها الدم , و تبصرها عيون قررت ألا تري . لم يتغير شئ .. فقط الإ حصائيات تتغير .. زيادة في عدد القطع التي يتفتت إليها الوطن .. تباين في أعداد القتلي .. نقص حاد في أعداد الورق الذي يستهلك لصوغ الإتفاقات .
لم أذرف الكثير من الدموع .. ولا القليل في الواقع.. الحق أنني ..... التكرار ربما ..... يقولون أن الشرايين تتصلب , فهل يفعل القلب ؟
أنا الآن علي فراشي أتهيأ للنوم( من الغداء حتي المساء ؟ حسنا.. لقد اختصرت ذلك الجزء). أشعر برغبة شديدة في ان اتحسس قلبي .. ربما لم يتصلب بالكامل , و إلا بماذا تفسر هذا الوخز ؟!
سأنام لأصحو غدا و سأنام غدا لأصحو بعد غد.. فهل هناك جديد ؟..ألم نقل مرارا أن العالم لن يتغير ؟! و مع ذلك سننتقل إلي الغد.. في الواقع هو الذي ينتقل إلينا و .... ثمة تساؤل خبيث أشم رائحته .. هل أنا طالب بحق؟ هل يمكن أن تحتشد كل تلك الآراء الصادمة في مثل هذه السن؟.. هذا هو عيب الإطلاع ..أن تعرف كثيرا معناه أن تشيب مبكرا و إلي القاء في الغد.
هل تأخرت؟ أعتقد لا . قلت في السابق أنني أصحو مبكرا . لن أصحو متأخرا فقط من باب عدم كسر الروتين . لا داع لتكرار نفس اسطوانة أمس .. فقط سأخبرك إن لم تصطدم بي الفتاة علي السلم.
يا إلهي! لقد فعلتها .. خالفت كل توقعاتي و فعلتها . لقد نجا كتفي هذا الصباح . رباه! الروتين في خطر.
لم تكن هذه هي المفاجاة الأخيرة لهذا اليوم . هل تذكر القمامة التي ... حسنا لقد اختفت... أنظر إلي ساعتي .. أنا متأخر بالفعل لكني لن أذهب إلي أي مكان قبل أن أفهم سر اختفاء القمامة . بعد السؤال و الإستفسارات خلصت إلي التالي:
الفتاة ..من؟ .. و هل تحدثت عن غيرها هنا؟..جارتنا الهوجاء كانت تحنقها القمامة إلي حد مرعب .. الجديد أنها لم تكتف بالحنق , و هذا هو سر ما نراه الآن . بعد شكاواها المتعددة إلي كل الجهات المختصة و بعد أن أفلست و لم تعد تستطيع ارسال الشكاوي قررت لأن تجرب أمرا ما . كي أشرح ما فعلته علي أن اشرح جغرافية شارعنا و أدخل إلي تفاصيل مرهقة . الخلاصة ان شارعنا يتقاطع مع شارع واسع به موقف سيارات , هذا الشارع الواسع لم يكن أفضل حالا من شارعنا من ناحية القمامة , ما فعلته الفتاة أنها كانت تحمل القمامة من امام منزلها كل يوم و تضعها في هذا الشارع الكبير ثم تعود و تحمل ما تستطيع حمله من قمامة الشارع و تكومها في ذات المكان .. و بما انه لا أحد يهتم فلم يحدث شئ سوي اللعنات و السخط دون أدني محاولة لإزالة القمامة , إلي ان كان أمس حيث زاد الأمر عن الحد و بدأ يعوق حركة السيارات و كان لابد من أمر حاسم فاضطرت الفتاة أن تخبر الناس في الشارع بخطتها , شكك البعض في عقلها انكمش البعض آثرا السلامة , لكن الكثير عاونها . لقد كوموا القمامة بحيث سدت الشارع تماما و شلت حركة السيارات .. و كانت أزمة مرعبة . هنا و هنا فقط تحرك المسؤلون . أزيلت القمامة من الشارع الكبير و من شارعنا , ليس هذا فقط هناك عربة ستأتي كل يوم تأخذ القمامة . هذا التعاقد مع شركة النظافة يشمل الحي بأكمله .. الحي بأكمله سيصبح نظيفا بفضلها .
حدث كل هذا و أنا نائم بالأمس .. لقد كنت نائما حقا . عرفت الآن لماذا كانت الفتاة تصطدم بي .. كانت تتولي أمر القمامة كل صباح .. تنطلق مسرعة إلي بيتها .. تصطدم بي .. تأخذ كتبها و تذهب للكلية .
لا أدري لماذا تسمرت في مكاني أحدق في الشارع النظيف ..لم أعد أبالي بالذهاب إلي الكلية من عدمه .. اهتز كياني كما لم يفعل من قبل .. ارتج علي .. رويدا رويدا تتركز أفكاري في شئ واحد .. اذا لقد فعلتها الفتاه ! ليس لي اعتراض علي الغباء بشكل عام..لهذا قررت أن أحتكره .
لم تعد بي رغبة في الذهاب إلي الكلية , و لكن خطرت لي فكرة , فقررت الذهاب .. قابلت أصدقائي بوجه غير الذي عرفوه .. اتفقنا علي شئ ما .. شكوي وقعت عليها المجموعة كلها ... أرسلناها إلي العميد , نشكو فيها من تأخر البيه - المدرس المساعد - الذي أخبرتك عنه . كانت مجرد تجربة , و لقد نجح الأمر... في اليوم التالي حضر - البيه - في الميعاد بالضبط ..تجارب كثيرة تنتظرنا اذن .
لا أمكث كثيرا في الجامعة بعد انتهاء جدولي , لكن هناك شئ يستحق الذكر .. لقد ضلت طريقها .. الكلمة الجادة -إن كنت تتذكر - ضلت طريقها ووصلت إلي اذني .. ليست كلمة واحدة بل كلمات .. هل خمنت لماذا؟ لأنني غيرت الطريق الذي أمضي منه عادة.
" من يعرف كثيرا , يشيب مبكرا " كان هذا أحد آرائي البالية ...أيقنت الآن أنني لم أعرف شيئا , و أنني مازلت صغيرا جدا .
لقد بدأ العلم يتغير.. لكني لم أعرف هذا ... بل فعلته .
يارب تكون اعجبتكم مثلى
منتظرة ارائكم